ما الذي يجري بين دفتي الوطن العربي المنتفض، وأي شرق أوسط جديد سينبثق عن هذه الثورات المتنقلة من بلد إلى آخر، والمتطايرة شراراتها هنا وهناك، شرق أوسط الشعوب الطامحة للعدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد، والتداول السلمي للسلطة، والدولة المدنية، والحريات الديمقراطية؟! أم شرق أوسط الأنظمة المستبدة، والأحزاب الشمولية «التوتاليتارية»؟! فبعد تونس ومصر، ليبيا هي الهدف الثالث للتغيير.. بالرغم من اختلافها عما سبقها.. فهي الأكثر دموية، بعد أن مارس نظام القذافي: القمع الشديد، وتورط في جرائم حرب ضد شعبه. أما اليمن لديه وضعه الخاص الذي لا يشبه أي بلد عربي آخر، حيث المشاكل والأمراض مزمنة ومتراكمة، وأصبحت الآن في حمأة الثورات العربية قابلة للاشتعال أكثر.. فأكثر!.. يمكن القول إن الزلزال العربي قد أصبح مركزه مصر.. وأن ارتداداته بدأت تتردد في كل الأحياء العربية بنسب وأحجام متفاوتة، فمن تونس وليبيا المجاورتين إلى اليمن، وعُمان، والبحرين، والجزائر، والأردن، والمغرب، وموريتانيا، وجيبوتي، من دون أن ننسى السودان الذي شهد تقسيماً لأرضه وولادة دولة الجنوب!..
يسر مجلة الهدف استضافة المفكر العربي السوري ميشيل كيلو في حوار حول:
- الثورات العربية.. أسبابها المباشرة وغير المباشرة.
- تداعيات الثورات العربية على حالة النهوض الوطني والقومي العربية.
- إسرائيل والولايات المتحدة أمام الامتحان الصعب.. في ضوء المتغيرات الجديدة.
ميشيل كيلو: (فتح النقاش)
ما يحدث في عالمنا العربي هو أنه نهوض شعبي اتضح أنه رد على الأنظمة وعلى الاضطهاد وهو رد أخذ شكلا واحدا دون مقدمات نخبوية أو حزبية أو قوة عسكرية ولم تنظمه برجوازية أو طبقة عاملة وانما حدث على شكل تحرك شعبي عام ضد نظام اعتبر كجزء من كيان خارجي أو قوة خارجية تحتل البلد، هذا الشكل اتخذ اتساعا هائلا يختلف عما نعرفه وما نعهده من ثورة.
انطلق التحرك على شكل هبة شعبية كبيرة عامة، تمرد شعبي عام بدأ من نقطة محددة هي الشباب والعالم الافتراضي، والذي يحتوي على عناصر تحث على التمرد في هذه الوسائل التي يقدمها العالم الافتراضي: الحرية المطلقة والمتاحة التي يحددها هو بالشرط الذي يريد، ثم المعرفة المتاحة، ثم العالم التواصلي وهي حالة معاكسة لوضع الفرد في مجتمعاتنا.
لأن النظام الذي يقوم على مجتمع السلطة يحكم مجتمعا بلا حقوق ومن أهم علاماته حرمان الناس من التواصل ما يتيح لهم ايجاد عالم أو وعي سياسي خاص يجعلهم خارج نطاق السلطة أو في مواجهتها.
الثورة على مستوى الشباب نقلت الواقع الافتراضي إلى العالم الواقعي هذه هي الثورة الديمقراطية و علامات وأسس الثورة الديمقراطية.
ما حدث ليس وعيا تم نقله من طليعة متقدمة إلى الجمهور بل أن سلوك النظام الخصم من احتجاز للوعي وقمع هو ما أدى إلى ذلك وهكذا نحن أمام شعب أجبره خصمه على تكوين هذا الوعي ولعب الشباب دوراً طليعيا دون أن يدعوا أنهم طليعة أو أن يطرحهم أحد على أنهم طليعة. وبعد ساعات من خروجهم تبعهم ملايين المصريين والاستبداد خلق كل الشروط التي تسمح لهذه الثورة بالانفجار.وقد مر ذلك بمرحلتين بتقديري: مرحلة أولى بدأها الشباب واستمرت عبر تراكم لسنوات ثم الانتقال الى الجمهور العام، حيث خرج الناس بعد أن رأوا أن الوقفة الأولى للشباب قد نجحت.
نحن نعيش في زمن استبداد صار عاجزا عن فهم الواقع ويعيش لأنه لايوجد له بديل أما الآن فالبديل صار موجوداً.
كان النظام يحسبها على طريقتنا كأحزاب، بما أنه لايوجد معارض جدي وقوي ويمثل قدوة، فلا بديل له، ولكن الشارع أثبت أنه هو المعارضة المنظمة، وهي معارضة جاهزة للذهاب إلى الحدود القصوى.
كأن الشعب العربي هزم خصمه في تونس ومصر وهاهو الآن يطارده في كل بلد، نحن أمام تجربة مهمة ليست نتيجة نخبة أو عسكر أو طبقة .
المسيح يقول "إذا فسد الملح بماذا تملحون؟" العالم العربي يعيش في ظل قوى رجعية ومحافظة شديدة الانغلاق وشديدة الرفض للتعبير والاصلاح، ربما لو كان هذا النظام قام بالاصلاح مبكرا فلربما كان النظام في تونس لايزال موجوداً.
في عام 1952 بدأ التغيير في السلطة ولكن في 2011 بدأ التغيير في المجتمع وكنا يئسنا من حراكه، والعالم العربي بتقديري يخطو إلى عصر ما بعد الاستقلال. أكتفي إلى هنا بهذه الافتتاحية..
المداخلا ت:
جواد عقل:
ما حدث هو شيء نوعي جديد لم تشهده المرحلة السابقة، في ظل مرحلة اتسمت في عموم االنطام الرسمي العربي إلى مرحلة الذروة في الأزمة وجرى ربط مصير المنطقة بسياسات ورهنها لمصالح قوى خارجية.
قوانين الانتخابات تم صياغتها على أساس يحفظ بقاء النظام واستمراره ورغم ذلك زوروا الانتخابات، وأوجدوا حواجز لمنع تطور العملية الديمقراطية، فصادروا القضاء ومنعوا الأحزاب وحاصروا الصحافة، ونهبوا البلاد كل ذلك أدى إلى نهوض الشباب وشاركهم الشعب، بعد أن رفعوا شعارات حازت على قبول كل فئات الشعب، أي أنهم ألغوا كل ما حاولت الأنظمة من تكريسه بتفتيت الشعوب وتقسيمها، هم كرسوا أفكاراً جديدة تعبر عن مطالب الشعوب وإرادتها الحقيققية واستطاعوا الصمود والتمسك بهذه المطالب رغم كل محاولات القمع واعادة العجلة الى الوراء، بل حاولو أن يلصقوا بهؤلاء الشباب كل التهم الجاهزة التي لم تعد تنطوي على أحد، في محاولة يائسة للحفاظ على هذه النظم، أعتقد أن الثورات دشنت عصراً جديداً، عصر الاستقلال التام من سلطة الاستبداد والديكتاتورية والخلاص من الاستعمار الداخلي، الذي يمنع الشعوب من أبسط حقوقها في حياة حرة كريمة، من العمل، والتعليم والمشاركة السياسية وصنع مستقبلها.
هذا الواقع ما كان يمكن أن ينجح في مصر وتونس لو أن المؤسسة العسكرية في كلا البلدين لم تأخذ الحياد، لأن الأنظمة العربية وصلت الى مرحلة بالتخلص من المؤسسة العسكرية التي جاءت غالبية الأنظمة على أكتافها، ولكن بحكم مصالحها أرادت مؤسسة أمنية تحميها وهذا ما يفسر تراجع حجم الجيوش العربية لحساب قوى الأمن والشرطة، ففي مصر وتونس اشارة واضحة وليبيا مثال آخر، طبعا لاأعتقد أن حركة التغيير استنساخية بل ستكون مرتبطة بطبيعة الظروف الخاصة التي يعيشها كل بلد، الثورة في تونس استطاعات أن تحقق انجازات مطمئنة، رغم أن هناك مخاوف من ثورة مضادة، ولكن العامل االأساسي هو الشباب وهناك عوامل أخرى أبرزها مثلا الوضع الدولي أعتقد أن الولايات المتحدة بحكم طبيعة علاقتها بالنظم الحاكمة، ومستوى ارتباط هذه النظم بالولايات المتحدة، ما زالت هذه الأخيرة قادرة على لعب دور مؤثر في الحد من مستوى التغييرات الثورية، وأنا أوافق الرأي أن الجيش في تونس ومصر لم يكن موقفه من باب الوطنية والانحياز المبدئي للشعب، وانما رأى بأم عينيه مستوى التفاف الجماهير وقدرتها على مواجهة قوى القمع الهائلة التي واجهتها بصمود اسطوري طابعه العام حضاري سلمي، ما حرم قوى الاستبداد من قدراتها، وبالذات القدرة على تأليب الجيش على الشعب وهم قاموا بمحاولات لوأد الثورة، لكن هناك ضغوطاً مورست من الولايات على المؤسسة العسكرية لتأخذ هذا الموقف وأعتقد أن هذا راجع لوجهتي نظر في الادارة، واحدة يعبر عنها بريجنسكي أنهم كادارة فشلوا في استيعاب الثورة الايرانية وعادوها وحصدوا نتائج كارثية من هذا الموقف اللاعقلاني ويجب أن لايكرروا هذه التجربة، ما يفسر الاستنفار الذي واكب الثورة من قبل الادارة الأمريكية وأجهزتها الذين كانوا بشكل يومي يتابعون مجريات أحداث مصر، هناك موقف آخر هو المتأثر بالضغط الصهيوني والذي يهول من حجم التأثيرات السلبية، على المصالح الأمريكية في المنطقة ما يدفع صناع القرار الأميركان و أقل ما يقال عنها انها مواقف انتظارية وهذا واضح من موقف الادارة مما يجري في اليمن والخليج وليبيا موقف متردد وهم عمليا يقفون الى جانب منع تغييرات ووقف الاندفاعة الثورية في العالم العربي.
لكن الشي المبشر بالأمل هو أن حاجز الخوف التغى من أذهان جيل الشباب في المنطقة العربية واستعدادهم لمواجهة قوى القمع أكثر قوة والشعب أصبح أكثر تطلعا لمشروعية المشاركة ورسم المستقبل.
الخوف هو من قوى الثورة المضادة لأن هذه القوى ما زالت تملك من الامكانيات ما يؤهلها لمحاولة وأد الثورة في مصر وتونس، ما يتطلب نوعا من اليقظة ومواصلة الاستعداد لمواجهة معارك قد تفرضها القوى المضادة في هذه البلدان.
د.محمد أبو ناموس
في نقاط محددة: أود أن أثني على ما قاله الأستاذ ميشيل في شق تحليله طبيعة النظام العربي، وأريد تناول الموضوع من جانب آخر، خلال العقود الماضية عانت أحزاب وقوى حركة التحرر العربية من أزمة بنيوية عامة في كل مفاصل عملها، حيث مارست دور النظام في اتجاه آخر، حتى أن الأنظمة بدت في بعض اللحظات أكثر تقدمية من ممثلي الشعب.
هناك قواسم بين هذه الأحزاب والأنظمة، هذه الأحزاب كانت غائبة في السلوك السياسي والاجتماعي وهي رضيت باللعبة التي مارسها النظام العربي الرسمي وما أسميه بالمحاصصة السياسية عبر رشوة هذه القوى بمقاعد برلمانية، ولتلعب دور المعارضة وتقول ما تريد وهذا ينطبق على اليسار الفلسطيني الذي رضي باللعبة التي فرضها اليمين الفلسطيني، والأحزاب ما زالت تنأى بنفسها عن حركة التغيير التي تجري وتكتفي بدور المعقب، فلا يوجد نموذج يحتذى به ويكون بديلاً للنظام القائم، وأنا كمواطن عربي لدي مصلحتي وخائف من الاستبداد ولا أجد بديلا فأرضى بالقائم ما أدى إلى اخلاء الأحزاب من كوادرها الى منظمات غير حكومية تخضع لأجندات خارجية، والبعض توجه الى التنظيمات الدينية ، وما يسمى بالثورات الاسلامية.
حالة الاحباط السائدة حتى اللحظة تتعامل مع الجماهير بعقلية الاستخدام واعطاء الأوامر، فيكون الخطاب: يتوجب على الجماهير أن تفعل كذا، ثم تزعم الأحزاب أن جاءت الأحداث لتثبت صحة مواقفنا، فإذا كانت صحيحة فلماذا لم يحدث تغيير .. الشباب تجاوزوا الأحزاب وهي غير قادرة على اللحاق.
النظام العربي استخدم فلسطين لقمع الشعوب، حتى كادت هذه الشعوب أن تكفر بفلسطين، التسلح باسم فلسطين وقوانين الطوارئ باسم فلسطين والتجويع باسم فلسطين، وأرى أن ما يحدث من تغيير هو في مصلحة القضية الفلسطينية، في هذه المرحلة الجديدة مرحلة التغيير والديمقراطية، إنها قيامة الشعوب وفشل وتعثر الشارع في أي مكان لايعني فشل التغيير فالثورات مستمرة ولكن بالتدريج فهم ليسوا مستعجلين مثلنا آن الأوان للتعاطي بنزاهة فكرية وأخلاقية مع ما يحدث.
أحمد جابر:
أشكر الأستاذ ميشيل على مدخله وأوجز ملاحظاتي : أوافق أن الشعوب العربية اعتبرت الأنظمة كجزء من احتلال خارجي، وهذا يفسر شعار ارحل، بالنسبة للشباب، رأيي بتواضع أن مصطلح ثورة الشباب يحتاج الى تدقيق وان كنت أقربكم ربما الى هذا الجيل، وأميل إلى القول بثورة الشعب، بالتأكيد الشباب هم جوهر الثورة ومادتها الأصل، بسبب الطبيعة السيكلوجية للشباب فهم متمردون بطبعهم ورافضون للواقع وميالون للتغيير لم يعيشوا في الماضي ليحنوا إليه فهم ليسوا ناصريين أو قوميين أو ماركسيين أو متدينين بالمعنى الأيدلوجي، وهم من جهة أخرى منفصلين عن الحاضر الذي لايجدون مكانا فيه فمخرجهم الوحيد هو المستقبل الذي عليهم السعي لامتلاكه والتحكم بسيرورته، هذا ما جعلهم يلعبون هذا الدور، ولكن بصراحة برأيي لولا التضحيات العظيمة التي قدمتها أجيال من التونسيين والمصريين، لولا أشخاص منحوا أملا بأن الأمل موجود لولا صحفيين كبار واجهوا القمع والتسلط ورفعوا الصوت، لولا أشخاص تمسكوا بالأمل وزرعوا بذور الثورة أشخاص على سبيل المثال لاالحصر مثل عبد الحليم قنديل وحمدي قنديل، وعلاء الأسواني ومحمد البرادعي وأيمن نور الذي قرر خوض معركة خاسرة للترشح للرئاسة مهما يكن الرأي في بعض الأسماء، لولا شيوخ القضاء الذي قرروا الوقوف في وجه النظام ليحوزوا استقلالية القضاء، لولا عمال غزل المحلة واضرابهم العظيم الذي كان بداية فعلية للثورة في السادس من أبريل عام 2008، يوم انضم إليهم شباب السادس من أبريل، لولا مناضلين قدماء أسسوا كفاية وقالوا لاللتوريث ولا للتمديد، وغيرهم وغيرهم وغيرهم، ألم يستحضر سيد درويش والشيخ امام ليكون مغنيا للثورة، ألم يبت عجوز مثل أحمد فؤاد نجم في ميدان التحرير ليالي طويلة، لولا كل هؤلاء ما وصل الأمر لذلك، تحفظي على فكرة ثورة الشباب هي الاستسهال، فكل مجموعة تقيم صفحة على فيس بوك وتحدد مواعيد للناس وتعطي أوامر مثل الأحزاب البائدة وكأن الثورة قص ولصق إلكتروني، وكـأن ذلك لايحتاج الى عمل ميداني دؤوب ألا يدركون أن الانتقال من الافتراضي الى الواقعي الذي تحدث عنه الأستاذ ميشيل يحتاج إلى أناس تنزل الى الشارع هذا ما فعله شباب مصر من حركة 6 أبريل الى آلاف الشباب الذين غيبوا في زنازين الأمن المركزي وماتوا في العبارات، وقتلتهم الجريمة والفساد والارهاب،
هذه ملاحظتي الأساسية، النقطة الأخرى صحيح أن هذه الثورات ليست استنساخية لكن أرصد فيها عدة ثوابت أولها ثابت الكرامة وهذا محدد أساسي لايسمح لأي نظام أن يقول نحن لسنا تونس أو مصر، ولن يستطيع أي نظام رشوة الشعب برواتب أو منح أو اصلاحات تافهة، الثابت الآخر تراكمية الثورات دون أن أكرر، و النقطة الثالثة حول تغير الأدوار الجيش والطبقات والأحزاب وقوى المجتمع المحركة وهذا يقود الى اعادة النظر بالنظرية الكلاسيكية بالثورة ما هي االثورة، فالجيش مثلاً: الذي كان له دور أساسي بوصول هذه الأنظمة الى السلطة يتم استبعاده واضعافه بعدة طرق أولها: الافساد، افساد الضباط واالجنود وايجاد شبكة مصالح بين كبار الجيش والسلطة ورأس المال الفاسد، وثاني طريقة هي التجويع فنجدهم في أسوأ حال، وثالث طريقة هي الابعاد فيتم نفي الوحدات والقوات الى الصحراء كما هو الأمر في ليبيا واستحضار الكتائب الأمنية، وتقليص الأعداد كما أشار الرفيق جواد، وغيرها من وسائل، هذه الطرق جعلت الجيش كجماعة بشرية يشعر أنه له أيضا مصلحة في التغيير بغض النظر عن تواطؤ قياداته، فمثلا رشيد عمار جاء بزين العابدين الى السلطة ثم تخلى عنه عندما استبدل هذا مظلة الجيش بمظلة قوى أمنية استحدثها وبناها على مقاسه، وهذا حال مبارك أيضا، الثابت الآخر هو مساهمة الأنظمة نفسها في سقوطها عبر سلوكها الذي يتجاهل الواقع وصولا الى الانكار التام، فيعمى البصر والبصيرة، والمصريون محقون عندما يسخرون بالقول: ما كانت الثورة لتنجح لولا توجيهات السيد الرئيس.
النقطة الأخيرة هي أن لانخشى المادة التي تتكون منها القوى المحركة للثورة سواء حددت على أساس الجيل أو العرق أو حتى الطائفة فنحن نتحدث عن مواطنين وأي فئة مستبد بها ومهمشة ومقموعة لابد أن تثور ونحن مع ثورة المستضعفين والمقهورين وما يهمنا هنا ليس نوعهم العمري أو العرقي أو الطائفي بل الشعارات والمطالب التي تطرح: فالحرية للجميع والديمقراطية للجميع ومن حق الجميع أن يكونوا مواطنين متساوين وشركاء في وطن واحد ومتقدم وحر وديمقراطي، نظرية الثورة الكلاسيكية سقطت وكذا الكلام عن طبقات وغيرها..
النقطة الأخيرة ما يسمى بمصطلح الثورة المضادة، أنا أميل الى الحديث عن استنفاذ الثورة فالثورة يمكن أن تجهض من داخلها وأكبر خطر هم تحول الجماهير الى حشود قطيعية فتستنفذ طاقتها فئويا وببرامج فرعية تحتاج لوقت ويجهضها ضيق الوقت.
أخيرا بالنسبة لنا كفلسطينيين، يجب أن نحذر من اغراق الثورات بالمطالب، فالثورة على مقاسهم وليست على مقاسنا، ونحن متعجلين وهم مازالوا يتأملون انجازهم ويحاولون حراسته، ويجب أن ندرك أنه عندما يكون في أي بلد حرية وديمقراطية يكون في مصلحة القضية الفلسطينية، فكل شعب يقيم حرية وديمقراطية، لابد أن يريد عدالة والعدالة تعني فلسطين وقضيتها.
محمد أبو شريفة:
أود استغلال وجود الأستاذ ميشيل لأطرح بعض النقاط: ما حدث في تونس ثم انتقل الى مصر وليبيا وغيرها ألا نلحظ هنا أن هناك تجاوزاً لمفهوم الدولة القطرية نحو الهم القومي الواحد ومن ثم تجاوز سايكس بيكو، وما ألحظه اعادة بعث المشروع القومي، هذا من ناحية، من ناحية ثانية ألحظ اختلاف شعارات الشباب في ثورتهم واختلافهم لم يستوردوا شعاراتهم كما في الستينيات والسبعينيات لم يستوردوا شعارات ثورية من الخارج، فكل شعاراتهم من واقعهم فأعيد احياء الأغنيات الوطنية القديمة..والثقافة القديمة هل هي مجرد صدفة أم لها أسبابها الموضوعية؟!
محمد صوان:
ما حدث ويحدث من ثورات وانتفاضات جماهيرية في أكثر من بلد عربي، هو انجاز كبير، فايقاف حالة الانهيار والانحطاط والفساد والاستبداد السياسي والاجتماعي والدعوة إلى الدولة المدنية، والعدالة الاجتماعية، والتعددية السياسية والاقتصادية، والتداول السلمي للسلطة، كلها مكاسب كبيرة لأي شعب خضع لنظام حكم ظالم ومستبد، والسؤال هو ماذا بعد؟ هذه أيضاً مسألة بالغة الأهمية، تستوجب عدم الركون لحدوث التغيير عبر الارادة العفوية، حتما هناك مسافة زمنية مطلوبة لانجاز البناء، فهدم البائد هو أسهل من بناء المرغوب، فلا يتوقع أحد نتائج سريعة ولكن أيضا ينبغي عدم الاكتفاء بما حدث، هي ثورات وحركات تغيير حديثة الولادة، وبحاجة إلى رعاية أهلها حتى يتصلب عودها وتبلغ رشدها، وهنا يمكن أن نسجل بعض الاستخلاصات:
توفرت في هذه الثورات عوامل ايجابية كثيرة: وحدة الإرادة، والعمل، والعزم ،على إحداث التغيير مهما كانت التضحيات، إضافة الى الثبات والصمود والمواجهة مع كل أشكال القهر والعنف السلطوي، والحرص على سلمية التحرك، والابتعاد عن الشعارات الفئوية والحزبية التي تنفر الآخرين من قطاعات الشعب وفئاته وشرائحه المتعددة، والدور الفاعل للجيل الجديد في عمليات التواصل التقني من أجل التعبئة الشعبية للتحرك، لكن هذه الايجابيات لاتمنع من وجود مخاوف وسلبيات قائمة أصلا في بعض المجتمعات العربية، التي فيها انقسامات مذهبية وطائفية وقبلية وحتى نوازع انفصالية، فالمطلوب ديمقراطية تحقق فصل السلطات لافصل الكيانات، النقطة الثانية أن الحرية بمعناها الشامل كانت وستبقى مطلباً مهماً في جميع العقائد والرسالات والقيم الانسانية العامة، والحرية تبقى ناقصة إذا لم تترابط فيها مسألة التحرر من سيطرة الخارج مع مسألة التحررمن الاستبداد الداخلي، فالحرية بحاجة إلى تكامل جناحي الديمقراطي السياسية والعدالة الاجتماعية كي تستطيع التحليق عالياً، والحرية هي المسألة الملازمة لوجود الانسان منذ بدء الحياة على الأرض، الحرية التي ترتبط بحق الاختيار وبالتالي الارتباط مع ميزة الانسان بأنه صاحب إرادة ومشيئة لعمل شيء ما أو عكسه، أيضا ومن جانب آخر لايمكن أن يتم التعامل مع الديمقراطية في المنطقة العربية بمعزل عن تحديات العدوان الاسرائيلي والأطماع الأمريكية الاقتصادية والاستراتيجية عبر فرض الاحتلال والتجزئة والتخلف منذ عشرات السنين على الأمة العربية، لهذا فإن الديمقراطية السياسية والجبهات الوطنية والقومية وجهان لمشروع قومي عربي واحد لمستقبل أفضل، وعماد هذا المشروع هو مفهوم الحرية الشامل للمواطن العربي وللأوطان العربية وللإنسان وللأرض حتماً.
أيضاً تختلط في الوطن العربي مفاهيم كثيرة لم تحسم بعد فكرياً وسياسياً وهي أساس مهم في الحركة والتنظيم والأساليب والوسائط: فما هو الموقف من التعددية بمختلف أنواعها، وما العلاقة بين المقاومة المشروعة وبين الارهاب المرفوض، بين حرية الوطن وحرية المواطنين؟ وكيف يمكن الجمع بين الديمقراطية وبين الحفاظ على وحدة النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي في كل بلد؟ ثم ما هي آفاق التغيير المنشود، على صعيد مواجهة الاحتلال ودحره؟ وهل سيكون التضامن العربي والجبهات الوطنية والقومية المتحدة الاطار الجامع للشعوب العربية مستقبلاً؟
اضافة لذلك لابد أن يمر سبيل الشعوب العربية في تحولها نحو الديمقراطية، بتصفية ما تبقى من مرحلة التغول الأمريكي والعربدة الصهيونية، اضافة إلى إسقاط أنظمة الفساد والاستبداد، والرهان معقود على الشعوب وتعاظم ثقتها بقدرتها على التغيير، وفي سياق مرحلة الثورات وما بعدعها تبرز قضية فلسطين والحقوق المشروعة الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني، من جهة أخرى على الضد من الاتهامات الاحباطية لشباب اليوم، فانهم برهنوا على امتلاكهم وعياً عميقاً وحاداً بالقضايا التي تحيط بها، متجاوزين الأحزاب والفصائل الشمولية التي لم تشهد أي تغيير في بنيتها الداخلية.
مشيل كيلو (اجمال):
أولا من أهم ثمار هذه الثورة أنه فعلها جمهور شعبي بوعي موحد وشعارات متقاربة، وأنها تطالب باسم المجتمع وباسم حركة سياسية تخترق المجتمع العربي كله، بقيم هي التي بنت الدولة الحديثة والحداثة في أوربا و في العالم كله، فهي من جهة إدارة ظهر لتاريخ طويل من الاستبداد والاستعباد، اليوم الشعب هو الذي يتكلم، وهو حامل المرحلة الجديدة، وثانيا أنت لست أمام نخبة تقول بالوحدة، بل أمام مجتمعات تتحدث باعتبارها مجتمعا واحدا، وكتلة سياسية، أوافق تماما على أنه هناك إعادة احياء للقومية العربية والوحدة، ولكن على أسس تاريخية مختلفة جذريا عن الأسس القديمة فهذه المرة ليست مقولات أحزاب وحركات سياسية، بل على أسس مجتمعية حقيقية، مجتمعات تتحرك باعتبارها كتلة سياسية واحدة، لاأحد يستنسخ وانما هناك تفاعل كبير وحركة تفاعلية ستمتد الى باقي البلدان، وهذه الحركة سيكون لفلسطين فيها خير عميم بشكل لايخطر بالبال وسأقول لماذا: العرب متفوقون بكل شيء على اسرائيل تفوق مطلق بكل شيء مادي: بالعدد، والجغرافيا والامكانيات، بالبشرو بعدد المتعلمين وبالموقع الجغرافي والامكانيات، إذا لم يكن هناك ما يعطل هذه التفوق والحركة فاسرائيل ليس لها مستقبل مهما دعمتها أمريكا وغيرها، إذا تصارعنا معها انطلاقا من المعطيات الموضوعية لنا ولها فنحن متفوقون عليها تفوقا ساحقاً، يا اخوان في 14 أيار 1970 التقى هنري كيسنجر باثني عشر رئيس تحرير صحيفة صهيونية في الولايات المتحدة وطالبوه بمنح اسرائيل السلاح فقال لهم يا أغبياء اسرائيل لاتستطيع العيش في المنطقة بالسلاح، فالعرب أمة منشئة للحضارة الانسانية وقادوها أربعة أو خمسة قرون وعندهم ظهرت كل المفردات التي نتبناها وتقوم عليها حضارتنا الحديثة الفكر المجرد والدين والحساب والرقم وتدجين الطبيعة، والدولة وغيرها، لايوجد وسيلة لتفوق اسرائيل على العرب الا اذا بقيت طاقتهم معطلة، مشتتين مجزئين مقسمين، وليس هناك ما يمكن أن يعطل طاقاتهم إلا اذا عمقنا التفرقة بينهم، وكبحنا طاقاتهم بالاستبداد، كل مستبد مهما كانت شعاراته كبيرة وعظيمة هو خادم للصهيونية، لأنه يعطل طاقات شعبه وبلده لأن الاستبداد يعني نقل التناقض بين العرب والصهيونية الى تناقض داخلي وتحويله الى تناقض بين السلطة والشعب كما نرى، والآن بكم من المال غير مسبوق وكم من السلاح غير مسبوق وكم من الحداثة الزائفة هم في قمة ضعفهم، ليس فقط تجاه اسرائيل بل تجاه كل من يريد الاعتداء عليهم، أتتذكرون عندما احتلت اريتيريا جزرا في اليمن ولم تخرج إلا بقرار من الأمم المتحدة، وكانت اريتيريا مستقلة منذ فترة قصيرة جدا ولم يستطع النظام عمل أي شيء، فلسطين اذا انطلق هذا العامل الموضوعي الأساسي واذا بطل التعطيل للقوة الكامنة واذا استمرت هذه الحركة فان اسرائيل ستخضع خلال سنوات وترجو العالم كله لقبولها في المنطقة بأي شروط، أنا لاأبالغ ولكن أرى أن هذا الشرط التاريخي الموضوعي اذا تحقق سيضع مرتكزات التغيير، وليس (الهوبرات) الثورجية ولا الجيوش التي تلغي مجتمعاتها وتحل مكان مجتمعاتها، الجيش عدو لما هو خارج بلده في الأساس يحمي الوطن ويخضع للدستور وينفذ استراتيجية عسكرية مرسومة باستراتيجية سياسية، بينما المؤسسة العسكرية تحكم بلدها، وعدوها في الداخل، وتخضع المجال السياسي لمطالبها ومصالحها، وما لدينا مؤسسات عسكرية وليس جيوش، ويجب أن تحول الثورة العربية المؤسسات العسكرية إلى جيوش، وهذه واحدة من مهامها الكبرى.
المشكلة الكبرى الآن أن هذا التطور العربي، والذي هو تطور صاعد ونهضوي وهائل في منطلقاته وفي وعوده، يقابله هذا التردي الفلسطيني الفظيع، هذا الانقسام الذي لم يعد مفهوماً والحقيقة أنا أرى أن كل من يساهم في الانقسام الفلسطيني عميل لاسرائيل حتى لو كان أشرف الأشراف، لأن هذا الانقسام لم يخدم أحداً سوى الاسرائيليين، لدرجة أننا نحن العرب يئسنا، عندما أرى مقالة عن فلسطين أحجم عن قر اءتها، ما قيل عن فلسطين والعرب وهو هام أنا برأيي المفروض ألا يكفر العرب بفلسطين، إذا كان هناك قليل من الوعي فان واحدة من أهم قضايانا المركزية، يجب ألا يتم التعاطي معها بالصورة الحالية.
من الطريف على الأحزاب العقيمة أنهم عندما كانوا يعتقلون شيوعيا في العراق، وبعد حفلة التعذيب يقرؤون له افتتاحية صوت الشعب الخاصة بالحزب المكتوبة في مدح صدام حسين ويسألونه بعدها ما رأيك؟ هذا ما تقوله قيادة حزبك، هل ما زلت معارضا؟ تخيل نفسك مكان هذا المناضل المسكين الذي يجد نفسه وهو في ذروة النضال مطعونا في الظهرمن قيادته، هذه الأحزاب دمرت الناس، ومعنويات البشر وامكانياتهم.
نعود الآن الى الجيش، الذي دعم الثورة في تونس ومصر لأنه مقموع، وعندما تكون هناك مشكلة النظام يثق بالأمن وليس بالجيش، والجيش يجد نفسه مستبعدا وتعطى مهمته لأناس فاسدين ليس لهم مهمة وطنية أو تنموية أو قومية بل يعيشون لحماية سلطة تعيد انتاج مجتمعها انطلاقا من مصالحها، ترى قضية فلسطين انطلاقا من اعادة انتاج نفسها وكل قضية أخرى، اذا الجيش يشعر في بلدان كثيرة انه خدع وأنه منح السلطة للصوص وفاسدين، وأخذ منه انجازه، في وثائق ويكليكس أن كل حكومات العالم العربي هي حكومات أسرة فهي تورث وتوزع الأرزاق وبالتالي البلد مزرعة وتحتاج للحماية عبر الأمن، و نحن نتحدث عن منظمات على مستوى الدولة هي في الحقيقة بلطجية هذا ما رأيناه في أمن الدولة في مصر عندما تعرضت الدولة للخطر تحولوا الى بلطجية وعصابات.
أعود الآن الى الخلف في الوضع الحالي: في الستينيات وقبلها الخمسينيات قام عندنا انتقال في السلطة قامت به شرائح عسكرية من الطبقة الوسطى تحت غطاء حزبي وسياسي، وهذه الشرائح تصرفت على النحو التالي: لايوجد خطر برجوازي طبقي لأنه لايوجد طبقة عاملة أو حركة علمانية. فالجهة الوحيدة الخطرة علينا هي الطبقة الوسطى فأبعدوها عن السياسة وأرضوها بالمال والامتيازات، ولا تدخلوها السلطة واعملوا في البلد مجتمعين مجتمع للسلطة يمد جذوره لمجتمع الناس المحروم من كل شيء، بحيث اذا ظهرت بوادر لظهور أي امكانية لبلورة طليعة أو نخبة داخل مجتمع الناس يتم امتصاصها لمجتمع السلطة، وهكذا سارت الأمور، ثم في النهاية مجتمع السلطة ألغى نهائيا مجتمع البشر، وهذا المجتمع السلطوي اكتسب العالم عبر تخويفه من التطرف والدين، فكان الغرب مع الديكتاتورية في كل مكان ليس فقط أنه لعب دورا كبيرا بانتاجها بل لعب دورا هائلا بحمايتها، فوصلنا لوضع أن مجتمع السلطة قلة ضيقة من الأعلى تحتمي بتنظيمات بلطجية، لايوجد شيء اسمه نواظم قانونية أو أعراف بين جماعات بشرية منظمة، وتحتوي علاقات مؤسسة أو مشرعنة، علماً أن جميع هذه السلطات التي حكت بالحداثة لم تحدث من نفسها إلى الآن، ولم تتكئ على طبقة اجتماعية أو حامل اجتماعي بل اتكأت قاعدة مجتمعها الخاص أجهزة أمنها وحزبها وبلطجيتها، وعلى تكوينات ما قبل المجتمع، النافية لللمجتمع فهي ليس لها مصلحة في المجتمعية ولا بالديمقراطية ولا بالحرية ولابالتفاعل المجتمعي، فصرنا في وضع سريالي لو رسم على الورق لايمكن انتاج أسوء منه، وهكذا ولأنها لم تطوع الجيش فالجيش لم يجد له مكاناً في هذه المعادلة، في ليبيا شيء مختلف، في مصر أعتقد أن الأمريكان قالوا للجيش أن يبذل جهده لتكون ثورة ضد شخص وليس ضد النظام، فيخرج مبارك ويأتي شخص من النظام ويتم فرملة المسألة، والعمل على تفكيك الوحدة الشعبية، وفي تونس الأمر ذاته، ولكن يمتاز الجيش في مصر بأنه جيش وليس مؤسسة عسكرية، أخذ منه الحكم ، أخذته المخابرات وأمن الدولة، وهو صار محكوما بها، وهو أصبح عنده فرصة، شعب يقاتل هذه القلة من النظام وعصاباته، وصار متحررا من الضغط، ومن الملاحقة والمتابعة، وعاد ليلعب دوره مع الناس باعتباره جيشا وليس مؤسسة عسكرية، في ليبيا لايوجد جيش ولا مؤسسسة عسكرية، كتائب أمنية أسرية نجد كتائب على أسماء أبناء القذافي، لذلك لم يحدث السيناريو المصري والتونسي أي تغيير النظام ولكن الشعب يريد بناء نظام، لأنه لايوجد نظام، وهو حول المسألة لحرب أهلية لأنه يعرف أنه لن يبقى، في المنطقة كان هناك فكرة عن سيناريوهين للتغيير، الأول أن النظام يصلح نفسه، ويعيد انتاج نفسه في ثوب جديد، عبر بعض التغييرات البسيطة هنا وهناك، وأن المعارضة ليست بديلا وليس عندها قدرة على التغيير، البديل الآخر هو قدوم الاسلاميين، وجدنا الآن أنه لاهذا ولاذاك، البديل الحقيقي هو المجتمع والشعب، والديمقراطية والحريات، والدولة المدنية، وهي أهم من أي شيء آخر، فكرة المدنية والمواطنة، أي أن تبنى الدولة من أسفل إلى أعلى على أساس المواطنة، لأنه فعلياً الدولة التي لا تبنى على المواطنة تقف على رأسها ويعاد انتاجها من رئيسها بينما دولة المواطنة يعاد انتاجها من الشعب، لذلك نحن الآن لسنا أمام اصلاح مجتزأ، علماً أن المنطقة كانت واقفة أمام أحد خيارين: التمرد أو الاصلاح، فمن لايقدم على الاصلاح سيتم التمرد عليه كائناً من كان، قبل قليل قلت أن الطبقة الوسطى أخرجت من السياسة فضاقت الدولة من أعلى، فصار المجتمع محتكراً من قلة، من اللصوص، في هذه الأثناء الطبقة الوسطى تحدثت وتعلمت واكتشفت طرقا للتواصل، والثورة حدثت لأن الجسد، القميص السياسي الاستبدادي ضاق كثيراً، على جسد الطبقة الوسطى وأعتقد أن هذا سيحدث في كل مكان، نحن ذاهبون الى الديمقراطية وهذه مسألة محسومة، حتى في ليبيا، حتى لو انتصر القذافي نحن متجهون إلى الديمقراطية، الآن المهمة الأساسية لاتكمن فقط في أن نقول أن أحزابنا لافائدة منها بل لها مهمتين كبيرتين، الأول أن نخلق كل ما هو ضروري في مجتمعاتنا لتسهيل احداث التغيير، فالاصلاح لافائدة منه، أي اصلاح، فنحن ذاهبون لمرحلة انتقال بدون نخب أو طليعة أو حزب واحد، بل نحن أمام كتلة تاريخية كبيرة، وسابقا كانت نخبة أوطليعة تقوم بالثورة وتحتفظ بالسلطة، اليوم نحن أمام شعب هو من يقوم بالثورة ولكنه لم يأخذ السلطة، شعب يعيد انتاج نفسه من خلال قيم يعاد اكتشافها، ومهمتنا، أننا لسنا أوصياء على الثورة وهذا من حسن حظها لكن أن نقدم ما نستطيعه من خبرة وبحث ورأي وتحليل، هناك خوف على الثورة طبعا أنها قامت وأحدثت تغييرا وأن يكون محدوداً، لأن الثوار الحقيقيين لم يمسكوا بالسلطة، نحن لاندعي أننا نعرف الشكل المناسب ولكن أظن كما قال لينين إن السوفيتتات هي أفضل شكل ديمقراطي للسلطة هذا يحدث ما يشبهه الآن في اللجان الشعبية، وحدث في ميدان التحرير ، وربما يطلع شكل آخر، وأنا أرى هذه اللجان هي الشكل التنظيمي لهذه الثورة، ليس على الطريقة الليبية، بل على الطريقة اللينينية، السلطة المباشرة للشعب الحر، التي للأسف غابت مع الستالينية، وهذا هو الشكل الأفضل حتى لو كان هناك أحزاب تمثل مراكز مبادرة فكرية، أعتقد أن هذا هو واجب الأحزاب اليوم. أرجو ألا أكون نسيت شيئاً. وأشكر الهدف هلى هذا الحوار الغني.