تحقيق حول الثورات في العالم العربي
في بيانٍ أصدرته جماعة الإخوان المسلمين في مصر ورد ما يأتي: (لا نتطلع إلى السلطة ولا نريد الرئاسة ولا المناصب ... ولكننا نتطلع إلى الإصلاح الشامل ... والدولة التي نتطلع إليها إنما هي دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية، الشعب فيها مصدر السلطات وصاحب السيادة): كيف تحلل هذه المقولة؟
الجواب الأول: تحدث البيان عن موقف الإخوان من السلطة فقال: "لا نتطلع إلى السلطة ولا نريد الرئاسة ولا المناصب..... ولكننا نتطلع إلى الإصلاح الشامل" وهو كلام جيد لأنه يظهر عدم الرغبة في تحقيق أي مصلحة خاصة، أو في تحقيق أي تسلط حزبي، وإشعار الآخر بأن الهدف هو الإصلاح، وليكن هذا الإصلاح على يد الآخرين، وهو أسلوب جيد في التقرب إلى جمهور الناس، وأسلوب جيد في تعويد جمهور الناس ضرورة الاجتماع على الأمور الموضوعية وإبعاد الأمور الذاتية والشخصية. أما الشق الثاني من البيان فجاء فيه: "والدولة التي نتطلع إليها إنما هي دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية، الشعب فيها مصدر السلطات وصاحب السيادة." وقد احتوى هذا الشق على كلام واضح وآخر ملتبس، أما الواضح فهو (الدولة ذات المرجعية الإسلامية) أما الملتبس فهو قول البيان: "والدولة التي نتطلع إليها دولة مدنية ديمقراطية"، فهذه العبارة تحتوي مصطلحين وهما: دولة مدنية ودولة ديمقراطية، وهما مصطلحان غربيان جاءا نتيجة ظروف تاريخية عاشتها أوروبا في القرون الوسطى والحديثة، وتحتوي بعض مدلولاتها على مقولات كفرية، فالعبارة الأولى "الدولة المدنية" جاءت رداً على مقولة "الدولة الكنسية" التي كان المقدس فيها هو الله والآخرة ورجال الدين، فقامت ثورة على تلك المقولات، واعتبرت أنها مقولات مضللة لذلك جاء مصطلح "الدولة المدنية" التي تعتبر أن الله والدين والكنيسة ورجالها لا دخل لهم في أمور الناس والمجتمع والحياة، وأصبح المقدس هو الإنسان والدنيا والجسد واللذة والمتعة إلخ....
أما عبارة "الدولة الديمقراطية" فإن مفهوم الديمقراطية يقوم على أمرين: المضمون والآليات، أما المضمون فيقوم على الحرية المطلقة التي لا حدود لها، وعلى المادية والقطع مع كل ما هو غيبي وغير حسي، وعلى الفردية التي تقدم على كل ما هو جماعي إن وقع التعارض بينهما، وعلى نسبية الحقيقة التي تلغي كل ما هو ثابت من أمور ديننا، وتقوم على استهداف المنفعة والمصلحة واللذة، واعتبارها الأصل في الفرد والمجتمع، ويجب تقديم هذه الأمور المستهدفة على أية قيمة أو خلق إذا وقع التعارض بينهما، وقد فصلت كل هذه الأمور في مقالات أخرى.
هذا عن مضمون الديمقراطية وهي كما نرى في بعضها مقولات كفرية تتعارض مع ديننا، أما آلياتها فتتمثل في انتخاب الحاكم ومحاسبة وتداول السلطة وتكوين الأحزاب وإنشاء الصحف إلخ.... فهذه أمور مقبولة ويمكن ربط كل واحدة منها بمصادرها من الأحكام السلطانية وكتب السياسة الشرعية.
هذه إشارات سريعة لبعض مضامين ومدلولات كلمتي "الدولة المدنية والدولة الديمقراطية" وكان يفترض في بيان الإخوان المسلمين أن يفصل في مقولته، ويوضح ما هو المقبول وما هو المرفوض من مفهومي الديمقراطية والمدنية، لكي يأخذ الخطاب مجرى سليماً.
وقد جاء في العبارة الأخيرة من البيان "الشعب فيها مصدر السلطات وصاحب السيادة"، فالعبارة فيها تعبير خاطئ وهو أن الشعب صاحب السيادة، وهذا كلام خاطئ لأن الله هو السيد وهو المالك وهو الحكم سبحانه وتعالى، والشعب تحت سيادته وحكمه، لكنا يمكن أن نقول: إن الشعب هو الذي يمنح الحاكم شرعيته من خلال اختياره له وانتخابه ورضاه عنه كما حدث مع أبي بكر رضي الله عنه، وكما أصّلت ذلك كتب السياسة الشرعية عندنا، فذكرت أن اختيار المسلمين للخليفة ورضاهم عنه هو الذي يعطيه حق الحكم.
دفعت الثورة المجتمع الدولي إلى تحذير الأنظمة والشعوب على حد سواء من الفزاعة الإسلامية خشية من أن يجد الإسلاميون فرصة لإعادة الحكم الإسلامي: فهل تعتقد أن إرهاصات عودة الحكم الإسلامي تلوح في الأفق؟ وهل مخاوف الغرب في محلّها؟
الجواب الثاني: الإرهاصات مستمرة لعودة الحكم الإسلامي، لأن هناك أمة مشكلة وهي الأمة الإسلامية، وليست هناك دولة لها، تتبنى مبادئها وتطبق مناهجها، وهو الاستثناء الوحيد في الدنيا، فالصعب هو تكوين الأمة، والسهل هو الوصول إلى الدولة، وإن إرهاصات عودة الحكم الإسلامي مستمرة خلال القرن الماضي بعد أن أسقط الغرب الخلافة العثمانية عام 1926 على يد كمال أتاتورك. وقد قامت عشرات الحركات الإسلامية في كل أنحاء العالم الإسلامي لتحقق عودة الحكم الإسلامي، لكنها لم تستطع لأسباب لامجال لبحثها أو الحديث عنها.
والحقيقة إن مخاوف الغرب ليست مرتبطة بعودة الحكم الإسلامي، لكنها مرتبطة بما هو أبعد من ذلك مرتبطة بوجود الأمة الإسلامية والكيان الإسلامي، لذلك هو يسعى إلى القضاء على هذه الأمة ومحو هويتها وتغريبها، من خلال إضعافها بالتجزيء السياسي والتفتيت الثقافي. وقد ورث الغرب هذا الخوف والحقد من الحروب الصليبية، وصحيح أنه تحول إلى العلمانية في العصور الحديثة فهو مازال يحمل الحقد والخوف من أي توجه إسلامي، وقد وضح ذلك ليوبولد فايس (محمد أسد) في كتابه (الإسلام على مفترق الطرق)، وبين أن الغرب مع تخليه عن الدين إلا أنه لازال يحمل الحقد والكره للعالم الإسلامي والخوف من انبعاثه مرة ثانية.
كتب الفقيه السياسي الفرنسي (توكفيل) منذ 150 سنة يقول:"إن الثورة مثل الرواية، أصعب ما فيها نهايتها": كيف تنظر إلى مستقبل الثورات في الوطن العربي؟
الجواب الثالث: تشكل هذه الثورات منعطفاً في مسيرة الأمة، وهي قد تنتهي بكل الخير لصالح الأمة إذا تغلبت على القوى المتربصة بهذه الثورات، وهي قد تنتهي بخير جزئي إذا استطاعت القوى المتربصة أن تحقق بعض أهدافها، والقوى المتربصة بهذه الثورات ثلاث هي: الولايات المتحدة، اسرائيل، إيران. فالولايات المتحدة تريد أن تستفيد من هذه الثورات لتجزيء المنطقة سياسياً، وتفتيتها ثقافياً من أجل تغريبها. واسرائيل تريد أن تستفيد من هذه الثورات من أجل أن تجزئتها سياسياً، وإيران تريد أن تستفيد من هذه الثورات في تمكين طوائفها الشيعية أو نشر مذهبها الشيعي.
ما مواصفات الجماعة التي تستطيع قيادة الجماهير الشابّة اليوم؟
الجواب الرابع: يجب أن تملك الجماعة التي تستطيع قيادة الجماهير الشابة أمرين: منهجية صحيحة، وقيادة ذات مواصفات خاصة.
أما بالنسبة للأمر الأول وهو المنهجية الصحيحة فيجب أن تتضمن عرض فهمها للإسلام وعقائده وأحكامه السياسية والاجتماعية والاقتصادية....، وفهمها لواقع الأمة وأمراضها وإيجابياتها وسلبياتها إلخ...، وفهمها للغرب وحضارته وعلومه وأزماته إلخ....، وأن ترسم خطتها لبناء عقل الفرد المسلم وقلبه وسلوكه إلخ....، وأن تبين خطتها لمعالجة الواقع الإسلامي وكيفية تحقيق أهداف الأمة الإسلامية إلخ....
أما القيادة فيجب أن تتصف بعدة مواصفات، منها:أن تكون القيادة ربانية، صادقة، غيورة على الإسلام، مضحية لأجله إلخ.....وأن تكون ذات علم شرعي واسع وعميق، وأن يكون بعضهم قد بلغ مرتبة الاجتهاد، وأبدع وأضاف شيئاً في مجال العلوم الإسلامية، وأن تكون عالمة بالحضارة الغربية، وأن تكون مرتبطة بالأمة وهمومها وقضاياها.
ماذا ينبغي أن تتعلم الحركات الإسلامية من درس الثورة؟ وما هو واجب المرحلة المناط بهم؟
الجواب الخامس: يجب أن تتعلم الحركات الإسلامية من درس الثورة، مواكبة تكنولوجيا العصر من انترنت وفيديو وهاتف إلخ...، والاستفادة منها في التواصل مع جمهور الناس، وتتعلم –أيضاً- بأن الطواغيت أضعف مما يتصور بعض العاملين في المجالات العامة، وأن النجاح في إزالتهم يحتاج إلى المبادرة كما حدث في تونس ومصر.