إلى أيّ مدى يمكن القول بأن ثقافة ما حاملة لقيمكونية؟
ابراهيم قمودي
العمل التحضيري
مرحلة الفهم :
• مبحث الموضوع:الثقافة والكونية/علاقة الثقافة الكونيةبالخصوصية/الهوية الثقافية والكونية.
• المفاهيمالمركزية:
• الثقافة: هي نمط عيش مجتمعما وتشمل أسلوب حياة الشعب ومحيطه الفكري ونظرته إلى الحياة وتكون نابعة من ظروفهواحتياجاته وبيئته الجغرافية. لذلك نسمّي ثقافة هذا الكلّ الذي يشمل العادات الفنيةوالدينية والفلسفية وكلّ الأشكال المكتسبة لسلوك مجموعة أفراد.
← هذا يعني أن مايميز الثقافة هو تنوعها بتنوع الشعوب وتساوي في مستوى القيمة
• القيم:هي كلّ ما يمكن أن نرغب فيه لا ما نرغب فيه فقط،فالقيمة من جهة ارتباطها بالرغبة لها بعد ديناميكي، فما أرغب فيه له قيمة وما لاأرغب فيه لا قيمة له، ولكنّ للقيمة أيضا بعد استاتيكي ثابت،إذ هي مثالي بما أنها مايجب أن يكون موضوع رغبة كلّ الناس وذلك هو شأن القيم الإنسانية الثابتة التي تفرضنفسها بصفة مطلقة وبقطع النظر عن كلّ مصلحة خاصة مثل الخير والعدالة والصحةوالثقافة.
← البعد الستاتيكي للقيمة يرتبط بالقيم الكونية أو هو الجانبالكوني للقيمة.
• الكوني:هو ما يتسع لكل شيءوما يشمل كلّ الناس بقطع النظر عن ثقافتهم الخاصة.
← المشكل متأتي إذن منالتقابل بين معنى الثقافة بما تعنيه من خصوصية وهويّة ومعنى القيم الكونية بماتحمله من اطلاقية تجعلها "تفرض" نفسها على كلّ الثقافات الأخرى وبالتالي كيف يمكنلما هو خصوصي أن يحمل ما هو مطلق؟قيم تفرض نفسها على كلّ الثقافات الأخرى دون أنتكتسبها في سيرورة التجاوز التي تمكن شعبا ما من التحرّر ولو جزئيا منخصوصياته؟
يتعلق الأمر إذن في الموضوع بالبحث عن نوع من المصالحة بين التنوعوالكونية قي سيرورة ثقافية خاصة تكتسب وتمرّر عناصر جديرة بأن تنتمي لحضارة كونيةدون أن تقضي على التنوع وتطمسه مثلما هو حال العولمة.
أطروحة الموضوع:
إن ثقافة ما يمكن أن تكون حاملة لقيمكونية.
الأطروحة المخالفة:
إنّ ادّعاء ثقافة ما امتلاكها لقيم كونية يؤدّيإلى اغتراب الكوني.
الإشكالية:
هل أن ثقافة ما يمكن أن تكون حاملة لقيم كونيةأم أن ذلك يؤدي إلى اغتراب الكوني؟
مرحلةالتخطيط:
التحليل:
• تحليل أطروحة الموضوع و ذلك بـ :
1- إبراز النسبيةالثقافية و تساوي الثقافات من حيث القيمة.
2- إبراز شروط تحول خصائص ثقافة ماإلى خصائص كونية:
أ- تحقق ظروف سياسية تشارك في قيم يمكن إن تكون موضوع رغبةكلّ إنسان.
ب- تربية المواطن في الاتجاه الذي يجعله أمينا على القيم التيتحملها الثقافة.
النقاش:
1- المكاسب:
• تثمين هذا الموقف من جهة كونه يحول الكوني منمجرّد مفهوم متعالي إلى واقع معيش ( هيغل).
• تثمين المصالحة بين الكونية والتنوع الثقافي.
2- الحدود :تنسيب أطروحة الموضوعو ذلك بإبراز :
• إمكان ادعاء ثقافة ما للكونية ( العولمة).
• الخوف من إنتسعى هذه الثقافة إلى فرض قيمها بالقوة.
الانتهاء إلى الإقرار بان ثقافة ما يمكنإن تكون حاملة لقيم كونية لكن بشرط التسامح مع اختلاف الثقافات الأخرى و احترامخصوصية الشعوب خاصة و أنّ إقرار كونية شرف الإنسانية ليس متناقضا مع التنوعالثقافي.
التأليف
«إنّ البربري هو من لا يعترف بإنسانيةالآخر»: هكذا تحدث كلود لفي ستراوس على مرض المركزية الإثنية مشيرا إلى أولئكاللذين عند ملاقاتهم للآخر الذي لا يشبههم لا يرون في عاداته و اختلافه إلا انحطاطاللإنساني ووحشية لا تليق بذاتهم "الشريفة"، و كأن صفة الإنسانية توقفت مع حدودهمالجغرافية. و مثل هذه العقيدة تلغي قبليا كل إمكان لقاء إنساني يؤسس قيم إنسانيةكونية تتجاوز كل خصوصية, مثل هذه العقيدة تنفي كل أمل في بناء تمثّل لإنساني يكونصالحا لكل الناس. لكن رغم ذلك هناك من المفكرين المتفائلين اللذين أقرّوا بأن ثقافةما يمكن أن تكون حاملة لقيم كونية. و لكن إذا كان الإنسان مشكّلا بثقافته، و إذاكانت الثقافات تقدم في المكان و الزمان إجابات مختلفة على المشاكل التي تعترضالإنسان فكيف يمكن إن ننتمي إلى خصوصية ما دون إن يؤدي ذلك إلى خسران الكوني؟ ثم ماهي الاعتراضات التي يضعها التنوع الثقافي أمام مشروع تحديد إنساني كوني أم انهعلينا إن نفكر في الإنسان في واقعه العيني و لا بحسب الكوني؟ أليس هناك زاوية نظرمتعالية تمكننا من التفكير في شرف الإنسان بطريقة كونية غير قابلة للاغتراب
إنواقع الثقافات هو واقع التنوع و الاختلاف فالإنسانية تتطور في ضروب متنوعة منالمجتمعات و الحضارات, وهو تنوع ليس مرتبطا بأي حتمية بيولوجية بل بواقع جيواجتماعيتاريخي. و هكذا فان ثقافة ما لا تستطيع أن تقيم ثقافة أخرى بما أن كل ثقافة تمثلطريقة معينة لحل مشاكل الإنسان فلا تمتلك أي ثقافة معايير مطلقة أو أدوات قيستجعلها قادرة على الحكم على الثقافات الأخرى. فالثقافة هي الكل الذي يشمل العاداتالفنية و العلمية و الدينية و الفلسفية و كل الأشكال المكتسبة لسلوك مجموعة أفراد،و ما يميز الثقافة هو تنوعها بتنوع الشعوب و بالتالي تساويها في مستوى القيمة إذ أنبنية ثقافة ما تبقى نسبية. و من منطق الاختلاف هذا قد يبدو انه من المستحيل بالنسبةإلى ثقافة ما أن تتقدم كمالكة لمعايير مطلقة تفرض نفسها على كل ثقافة. لكن ذلك لايمنع ثقافة ما من أن ترتفع على ذاتها في حركة تجاوز بالنسبة لخصوصياتها, حركةتقودها نحو قيم كونية توجه فعلها.
و ذلك ليس مستحيلا بما إن الكوني يقال كفرديوهو ربما ما جعل « هيقل » يقر " إن الكوني ليس إلا عملية تضمين للفردي"، ذلك أنالثقافة في توجهها المطلق عند "هيقل" هي نقطة التحول المطلق نحو الروحاني الساميإلى شكل الكونية. فبفضل الثقافة تستطيع الإرادة الذاتية اكتساب الموضوعية داخلذاتها فتكون قادرة و جديرة بان تحقق الواقع الفعلي للفكرة بما هي المطلق. و الكونيبهذا المعنى هو الذي يحدد مواقف الذات وهو ما يعني إن الجدلية المركزية للكوني عند " هيقل" هي جدلية الفكرة ذاتها و لذلك ليس هناك أي تغيير كوني ممكن للخصوصيةكخصوصية. وهكذا فإنه إذا لم تكن الكونية حاصلة عن تطور الخصوصية كخصوصية فان ذلك لايمنع ثقافة ما من إن تكسب خاصية أو أكثر من خاصية تجعلها تحمل قيم كونية.
فعندماتحقق ثقافة ما ظروفا سياسية تشارك في قيم يمكن إن تكون موضوع رغبة كل إنسان يمكن أنتنتشر هذه القيم عبر التلاقح الحضاري، على شرط أن لا تنسى هذه الثقافة أنها لم تخلقهذه القيم و إنما اكتشفتها في ذات وقت اكتشافها للحرية بفضل العقل. فبهذه الكيفيةتكون قادرة على تجاوز الخصوصية و تنفتح على كل الناس لان الثقافات تعيش صيرورة والإنسان هو قبل كل شيء تاريخ سواء على المستوى الفردي أو الجماعي لذلك فان النسقالثقافي لا يمتد فقط في المكان من شعب إلى آخر و لكن أيضا في الزمان من فترة إلىأخرى و ليس هنالك ثقافة مثلما يذكرنا « شتراوس" بذلك قادرة على إن تقدم أجوبةنهائية، لذلك فان اكتساب قيم كونية يقتضي في ذات الوقت الإقرار بان كل الثقافات لهانفس القيمة.
يتعلق الأمر إذن بتربية المواطن في الاتجاه الذي يجعله أمينا علىهذه القيم التي تحملها ثقافته فيكون فعلا شاهدا عليها، خاصة و أن مبدأ تساوي كلالثقافات في القيمة يمثل في حد ذاته علامة تسامح و احترام لكل الشعوب، ثم إنالتلاقح الثقافي مثلما بين ذلك "شتراوس" هو شرط تطور المجتمعات و الثقافة المنغلقةعلى ذاتها يكون مآلها الموت, لذلك كان "شتراوس" قد استخلص إن لقاء الثقافات قد يؤديإلى نتيجتين فإما إن يؤدي إلى تصدع و انهيار نموذج ثقافي، و النموذج المنهار مثلمايشهد التاريخ على ذلك، هو نموذج منغلق على ذاته، كذلك شأن حضارة الأنكا في البيروالتي انهارت أمام الغازي الاسباني من فرط خصوصيتها, و إما إن يؤدي إلى تأليف أصيلبمعنى ولادة نموذج جديد لا يمكن اختزاله في النموذجين السابقين, ذلك هو الشأن معالثقافات المتفتحة مع بقية الثقافات.
و هكذا فان إقرار كونية شرف الإنسانية لايبدو متناقضا مع الاعتراف بالتنوع الثقافي خاصة إن "شتراوس"' بين في دراساتهالانثروبولوجية أن التلاقح بين الثقافات لا يقضي على التنوع و إنما يدعمه. لذلك كانكانط قد نظّر إلى إمكان تحقق كوني إنساني يتأسس في شكل حق سياسي كوني يحقق السلمالدائمة بين الشعوب و الدول المختلفة، و الإنسانية يمكن إن تستفيد من التجاربالمختلفة للشعوب خاصة و إن العقل هو ميزة كونية للإنساني الذي يمكن على أساسه إنتكتسب ثقافة ما قيما كونية، كذلك هو حال الديمقراطية و حقوق الإنسان في الثقافةالغربية في القرن 18 و 19 كقيم كونية أنتجتها هذه الثقافة.
يمكن القول إذن إنثقافة ما قابلة لأن تكون حاملة لقيم كونية وهو موقف يمكن تثمينه من جهة كونه يفتحعلى مصالحة بين ما هو خصوصي و ما هو كوني، خاصة و إن الإقرار بان احترام الخصوصياتهو ذاته يمكن إن يكون قيمة كونية ثم إن الكوني لا يتقدم كتقنين للخصوصي أوللاختلافات و لكن كفرادة تملصت من المحمولات الهووية، رغم كونها تشتغل في هذهالمحمولات. و لكن ماذا لو نزعت ثقافة ما لادعاء الكونية, هل يمكن إن نقول عندها إنالكوني واحد بالنسبة للكل ؟ هل يمكن إن نقول عندها إن الانخراط في الكلي لا يرتبطبأي تحديد خصوصي؟
ذلك هو احد المزالق الممكنة للإقرار بكون ثقافة ما حاملة لقيمكونية, فالكوني قد يفسد عندما يتحقق مثلما اقر ذلك "بودريار" , أليست العولمة هيالشكل الذي تحقق فيه الكوني الذي نظرت له الحداثة الغربية, الم تصبح الحريةوالديمقراطية و حقوق الإنسان كقيم كونية مثلها مثل البضائع التي تمرر دون اعتبارللحدود, أليست العولمة تعبيرا عن فشل ثقافة ما في تمرير قيم كونية إلى الثقافاتالأخرى, فالعولمة تجسد اغتراب الكوني, إذ تمثل انفتاح هوية ما نحو الهيمنة وبالتالي تمثل خطرا على الإنساني. ثم إن الإقرار بان ثقافة ما يمكن إن تكون حاملةلقيم كونية قد يتضمن خطرا ثانيا هو خطر فرض هذه القيم بالقوة, فالعمل على نشرالحرية مثلا بواسطة الحرب لا يمثل علامة لانتصار الكوني بل هو علامة خسرانالإنساني.
و هكذا يمكن القول بان ثقافة ما يمكن إن تكون حاملة لقيم كونية و لكنمع ضرورة الاحتراس من اغتراب هذا الكوني و الوقوع في موقف شعوبي بحيث تدعي خصوصيةما الكونية و تنحى إلى الهيمنة باستعمال القوة فتقضي على الاختلاف و التنوع بما هوشرط الكوني لذلك لابد من إقرار حق الاختلاف كواقع فعلي معيش لا كمجرد شعار نتبجح بهفي المنابر و الخطابات، و زاوية النظر المتعالية التي تمكننا من التفكير في شرفالإنسان بطريقة كونية عليها أن تأخذ بعين الاعتبار مخاطر اغتراب الكوني حتى نضمنفعلا السلم الدائم و نحقق الكوني في ذات الوقت الذي نحافظ فيه على التنوع والاختلافات الثقافي.