ن العنف يتحدّد في الاستعمال الشائع باعتباره مرادفا للقوة غير أنّ التحديد الدقيق له يتمثل في اعتباره الاستخدام المبالغ فيه للقوة. ويبدو العنف مرتبطا بالسلطة بما هي فعل تأثير ولكنه أيضا يهدّد وجودها واستمراريتها في ذات الوقت. ومادام العنف يمثل إحدى مكوّنات السلطة وبالتالي محايثا لها، فإنّه يبدو من أجل غاية نبيلة من حيث هو ممارسة سلطوية، بما أنه سيكون في خدمة العدالة. ويبدو أنّ العنف لصيق بالعمل السياسي ومرتبط بكلّ اجتماع إنساني مثلما يذهب إلى ذلك العديد من المفكرين كـ"ماكس فيبر" Max Weber و"كارل سميث" Karl Smith و"جوليان فراند" Julien Fruend's... ممّا جعل "بول ريكور" Paul Ricoeur يتحدّث عن مفارقة في الوجود السياسي للإنسان فالإنسان ينبذ العنف أخلاقيا في حين أنّ وجوده السياسي يرتبط بالعنف.
لكن ارتباط بين العنف والسياسة لم يكن ارتباطا دائما وعند كلّ المفكرين وخاصة في الفلسفة اليونانية التي كانت تقوم على التعارض الانطلوجي بين العنف والسياسة، ورغم كون "أفلاطون" لم يسع إلى تحديد العنف والكشف عن ماهيته فإنه كان دائما يعتير أن القيم الإنسانية تستوجب التفكير والتأمل، وبالتالي كانت كتابات أفلاطون وحتي أرسطو من بعده، مناقضة لكل أشكال العنف، خاصة وأن نقد أفلاطون للديمقراطية يعود إلى كون الديمقراطية تقترن في نظره بفوضى القيم وبالتجزئة وبانعدام الانسجام، لذلك فإن الديمقراطية لا تحض بأي شرعية سياسية لأنها لن تتمكن من تحقيق الانسجام. وإقرار السلم الاجتماعي والسياسي بالنسبة لـ"أفلاطون" يجب أن يتعالى عن الواقع وأن يتعالى عن التاريخ، فالوجود الواقعي لا يمكن الاقتداء به، والجمهورية العادلة هي دولة فاضلة تتحقق فيها المثل العليا وتغيب فيها جميع مظاهر العنف والصراع.
غير أن المدرسة الوضعية التي يمثلها "هانس كلسن" Hans Kilsen، تعتبر أن القانون موجّه ضدّ العنف، فالعنف لا يرتبط بالضرورة بالعمل السياسي بل يخضع لضوابط قانونية بحيث تتماهى الدولة مع نظامها القانوني. فالنظام القانوني هو الذي يحدّد طبيعة السلطة ويحدّد القيم السياسية كما يحدّد العنف الشرعي الذي يجوز للدولة وحدها أن تلجأ إليه إذا اقتضت الحاجة ذلك، فالعنف بالنسبة لـ: "كلسن" لا يمثل ظاهرة يستحيل التحكم فيها وضبطها. أمّا ابن خلدون فإنه يربط بين الدولة والعصبية إذ أن الدولة عنده ضرورية للحدّ من نزوات الإنسان الأنانية، ومن نزوعه إلى ظلم الآخرين سعيا وراء مصالحه الخاصّة. ومن هذا المنطلق فإن السياسة عنده تقترن بالقوة والعنف، إذ يتعذر إخضاع الناس بالطرق السلمية.
ونفس المنحى تقريبا يسير فيه "ماكيافيل" Nicolas Machiavel و"هوبز" Thomas Hobbes. ولذلك فإن الفاعل السياسي الأمير في لغة "ماكيافيل"، وصاحب السيادة في لغة "هوبز" يلجأ بالضرورة إلى العنف إذ يمثل العنف أحد المكونات الأساسية للعمل السياسي. و"كارل سميث" يرى أن السياسة تتموضع في فضاء الصراع وكأنها حرب داخلية إذ تخضع لتحالفات واستراتيجيات لذلك تتحرّك السياسة بالنسبة لـ"سميث" على أساس معيار الصداقة والعداوة ونفس، الشيء انتهى إليه "جوليان فراند" عندما اعتبر أن السياسة مرتبطة بجدلية القيادة والطاعة وأنها صراعية بالماهية. ويرى "ماركس" أن العنف هو إفراز تاريخي نتج عن تعارض المصالح لما ظهرت الملكية الفردية، وبالتالي فإن العنف لا يمثل بالنسبة إليه أحد المكونات الطبيعية للسلطة بل هو ناتج عن الواقع الاجتماعي وبالتالي فإن الدولة والعنف قابلان للتغيير والاختفاء في ظروف تاريخية ينتفي فيها التفاوت الطبقي. ولكن "ماركس" عندما تطرّق إلى الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية اعتبر أن ذلك يستدعي تنظيم الطبقات العاملة في إطار نقابات وأحزاب سياسية وأكّد على ضرورة اللجوء إلى العنف وإلى دكتاتورية البروليتاريا فيكون هذا العنف الثوري ضرورة مؤقتة لذلك يتعين تهييء وتنظيم الثورة وتأطير العنف الجماهيري، فالعنف الثوري هو إذن مرحلة مؤقتة تولّد تاريخا آخر ومجتمعا آخر تغيب فيه السياسة وكلّ ما يرتبط بها من عن